الاثنين، 7 سبتمبر 2015

الـقمر كـما يجب ان يـكون

الـقمر كـما يجب ان يـكون 


فى مكان ليس ببعيد عن ارض الواقع يقال ان دائما الأمراض النفسية ما هى إلا توهم وخيال مثلها تماما كالمريض بالإيحاء فهو يعلم حق العلم أن مرضه ليس له أى أساس من الصحة ولكن توهمه بالمرض هو ما جعله يشعر بأعراضه . فكم من مره راودك كابوس عن مجموعة من اللصوص تطاردتك حتى تسقط من فوقه قمه جبل عالية لتفيق من نومك على فزع من امرك والالم شديده فى قدميك وينتابك صعوبة فى التنفس وكان كابوسك كان واقع وليس مجرد خيال لعقلك الباطن . وكم من مره شردت مع أغنية حزينة لتفيق من شرودك اثر حراره عبراتك التى انسالت على وجنتيك رغم أن لا يوجد هناك ما يحزنك وكل ما فى الأمر هو التوهم والخيال . كل هذا وأكثر كان هو حال تلك الفتاه التى لا يراها أحد إلا و يلتفت نظره نحوها وينصب أهتمامه اليها ربما أحيانا ينجذب الى تصرفاتها وأحيانا اخرى إلى ثقافتها ولكن ماليس هناك اختلاف عليه أن الجميع أستثاره فضولهم نحو أسمها الغير مؤلف فى مجتمعهم أنها " مهشيد " - أى القمر باللغه الإيرانية - وكما أن أسمها كان مثير للأهتمام كانت هى الأخرى مثيره لذلك . فقد كانت دائمة الخوف من كل شى تتعامل مع أبسط المواقف وكانها صواعق كبرى ربما اذا القى عليها أحدالأصدقاء التحية كانت تتلجلج خوفا وتتوه الكلمات من ذهنها وكانه حدثها بلغه لا تفهمها وتحتاج إلى ألاف من المراجع والكتب حتى تفك رموز حديثه . هذا الوضع كان مثير لسخريه الجميع والذى كان سبب فى كونها محدوده الصدقات خوفا من دخول غريبا إلى دائره معارفها والتى تكاد منغلقه منذ سنوات طويله . دائما يشاء القدر أن يعلمنا الكثير من الدروس عبر مجموعة من الصدمات التى تؤلمنا وقتها شديدا ولكن تتضتح لنا الصوره فما بعد أن الكرامات دائما تكمن فى الصدمات . فيشاء القدر أن تكون "مهشيد" إحدى طلاب الإعلام لم يكن صعبا عليها الدخول إلى عالم جديد ولكن ما كان صعب عليها هو كيف ستواجه هذا المجهول والذى لا يكمن فقط فى صدقات جديدة ولكن أيضا قواع عملى سيعرضها إلى الاف من المواجهات من الأغراب . مرت حياتها فى الأيام الأولى من الدراسه على خير وبدات " مهشيد " التأقلم تتدريجيا مع الأصدقاء الجدد وبمرور الوقت اصبح الجميع يعلم خوف " مهشيد " من مواجه ما هو غريب عنها من مواقف او أشخاص . أؤمن جيدا ان دائما تكمن المنحة فى المحنة فدخول " مهشيد " إلى هذا المجال جعلها تتعرف على مجموعة من الأفراد الذين قرروا فيما بينهم أن يجعلوها قادره ولو قليلا على مواجه خوفها . فنظرا لصعوبه أسمها قرر الجميع بأن يدعوها "ميمى" اللقب الجديد التى أحبته جدا وكان بدايه لأتساع دائره أصدقائها تدريجيا .
ثم قاموا بالأحتفال بعيد ميلادها على طريقتهم الخاصه مما جعلها تتأقلم وتسعد بوجودها معهم الأمر الذى كانت تخشاه منذ أن خطت خطواتها الأولى فى هذه الجامعة فقد أستطاعت أن تتغلب عليه . ولكن مازال الكارثة الكبرى موجودة فهى لا تخشى التعامل مع الأصدقاء والمعارف التى ربما تاخد وقتا للتعامل معهم ولكن فى النهاية تستطيع أنما المشكلة الكبرى تكمن فى مواجه الأغراب . أرادت ان تريح ذهنها قليلا من هذا الأمر وأن تتعايش مع مواقع ولا تفكر فى المستقبل فهو فى علم الغيب وحين ياتى موقته ستكرر ماذا تفعل . ولكن الصدمه الكبرى جاءت لها دون سابق تمهيد او إنذار واليوم الذى كانت تحسبه سيأتى فى المستقبل البعيد جاء وبعد بضعه ساعات فقط . فقد طلب منها أحد أستاذتها الجامعين أن تقوم الآن وفى الحال وتناقش موضوع يثير أهتمامها لكى يرى مدى تفاعلها كأعلامية مستقبلية مع الواقع والجمهور والتعامل مع المايك والكاميرا . وبمجرد أن نطق أستاذها باسمها حتى صعقت هى وكل الحاضرين فالجميع يعلم أنها تخاف المواجه وأنها تحتاج تمهيدا كبيرا قبل أن تقدم على تلك الخطوه . وبداوا يتسائلوا فيما بينهم كيف ستفعل ذلك كيف ستتكلم ربما ستصمت ربما ستبكى ربما لن تقوم من مكانها وليس بعيدا ان تسقط مغشيا عليها فان كانت تعاملت مع أصدقاء جدد فهذا لا ياوهلها أبدا ان تتحدث امام هذا القدر من الأشخاص فأصدقاءهايكادوا يحصوا على اصابع اليدين فقط .
 كرر الأستاذ أسمها مجددا وسط حاله من الصمت لترفع " مهشيد " يدها اليمنى فى حاله تردد من أمرها ليقع نظره عليها ويدرك أنها هى ويطلب منها أن تتقدم إلى منصه الالقاء وتمسك بالمايك وتبدا حديثها . أبتلعت ريقها بمراره وقامت وأخدت تتقدم خطوه وتتراجع ألف ويكاد فزعها يظهر على ملامحها وصلت إلى المنصة وهى فى حيرة من أمرها ودار بذهنها الكثير من الموضوعات التى تريد ان تتحدث عنها ولكن الكلمات تطايرت من ذهنها وكانها لا تعرف ماهى أبجدية اللغه العربية . أمسكت بالمايك ونظرت إلى الحاضرين وترى نظرات أعينهم وهى محدقه بها ثم تغلق عيناها بقوه شديده لتنتقل ذاكرتها من اخر مشهد للحاضرين إلى جمله قد قرأتها بأحدى الروايات الأنجليزية
  you are the creator if you have a chance alone you 
has the right to be or not to be 


"أنت مبدع فإذا جاءتك الفرصة وحدتك من له القرار لتكون أو لا تكون".

ودارت الأفكار ذهابا وايابا سريعا فى ذهنها لتجيب مسرعه دون قصد ويظهر صوتها بالمايك قائلا .  

  I can to be
يلتفت أستاذها إلى واقع كلمتها محدثها متسائلا ماذا تقولين ؟؟ لتجيب عليه بالأنكار لا شى أستاذى ثم تبدأ تستجمع جميع قواها وتنظر إلى المايك وتخاطبه بقوه وكانه عدوها ولابد أن تهزم رهبتها منه .


تنهدت وبدأ حديثها وهى تقول .... ها أنا الآن قد جاءت إلى الفرصه لكى أتحدث عن أحد المواقف التى تزعجنى فى الحياة ربما هناك الكثير من المواضيع التى يمكن ان اطرحها .

ولكنى سأختار أول شى جاء إلى ذهنى وهو النظرة المتدنية للمرأة ، دائما يقولون أن الدور الأساسى للمرأه هى زوجة وأم ، وأنا ليس لى اى أعتراض على ذلك ولكن أين كيانها ؟ أين أحساسها بذاتها ؟ أين ثمرة تعليمها ؟ هل ذهبت إلى المدارس منذ الصغر لينتهى بها المطاف لتكون جزءا من كماليات الشقة .

لا أتفق أبدا مع من يرغب أن يحرم زوجته من العمل ويرغمها على الأعتناء بصغارها فقط ، فبطبيعة الحال هى ترعاهم وتخاف عليهم ربما أكثر منه ، ومن الممكن أيضا ان تأتى على راحتها من أجلهم ومع ذلك يظل لديها الرغبة والأستمرار فى العمل ولا تكل ولا تمل ولا تقصر مطلقا فى أى شى ولا تأتى على شى على حساب الأخر . وقد بدأت " مهشيد " تزداد ثقتها فى نفسها بعد ان مرت أول دقيقتين من حديثها دون تعثر أو خوف يفضح أمرها وبدأت تندمج أكثر فى الحديث . منذ بضعة أيام قرات مقالا عن زوج قام بضرب زوجته واصابها بالكثير من الكدمات حتى سقطت مغشى عليها وعندما تم نقلها إلى المشفى وتم تحرير محضر للواقعة لم تطلب الزوجة إلا الأعتذار منه وقالت أنا أعلم جيدا أنه عصبى بطبعه وربما ما بدر منه كان لحظه لغياب العقل وسيطرة الشيطان عليه وقامت بالتنازل عن حقها والغاء المحضر المحرر ضدده .
لم يذهلنى كثيرا ما قرات لأن ما أكثر أهدار حقوق المرأه فى بلادنا ومن قبل ان أكمل قراءه توقعت انها فعلت ذلك خوفا من أن ينهال عليا بالضرب أكثر. ولكن صعقتى الكبرى جاءت عندما أستكملت حديثها لأجدها تقول ... أنه حبيبى ورفيق عمرى وأعلم حق العلم كم هو طيب القلب و رقيق المشاعر ولكنى لن أسامحه على ما فعل بى وسأعاقبه على طريقتى الخاصه .
تساءلت فى ذهنى كيف ستعابقه هل ياترى ستنتقم وسارى غدا فى صفحة الحوادث خبر عنامراه قتلت زوجها أنتقاما منه أم يا ترى ستترك منزلها وتصطحب معها اطفالها وربما يتطور الأمر إلى طلب الأنفصال .
سكتت " مهشيد " قليلا لترتفع الاصوات فى القاعة ماذا فعلت الزوجة ؟ كيف ستعاقبه؟ ماهى طريقتها الخاصة ؟ وبدأ أصدقاءها المقربين الذى يعلمون بحقيقه خوفها من المواجهة يشعرون أنها ليست "ميمى" التى يعرفونها وأنها شخص أخر غريب عنهم وربما تكون كانت تكذب عليهم طوال الفترة الماضية وهى لا تخشى المواجهة ولا شى وأن هذا كله ما هو إلا إدعاء كاذب ولكن حقيقه الأمر أنها أكثر خوفا من ذى قبل وأن ضربات قلبها تزداد أكثر فاكثر ويداها ترجفان بشده وقد هربت من أطرافها الدماء وأصبحت بيضاء اللون وفى غايه البروده وكانها تحتضر شيئا فشئ وتريد الصراخ طالبه الانتهاء رجاءا ولكنها I can to be شعرت بالارتباك ذكرت نفسها بقرارها " انا استطيع " أستكملت حديثها لتخبرهم عن قرار الزوجة وهى تقول لقد كانت أجابه الزوجة هى السكوت وقالت لن أجعل يوما أحد يتدخل ليعرف كيف أعاقب زوجى فاسرارنا ليست مشاعا للناس ولكنى لن أترك حقى .
وهنا عجرت عن التعبير وتذكرت قول الله تعالى " وجعلنا بينكم مودة ورحمة " فى بداية الأمر كنت حزينة لوضع الزوجة وما حل بها ولكن بعد انتهائى من القراءه أصبحت أشفق على زوجها .
فالله قد رزقة بجوهرة ثمينة وزوجة تعرف حق العلم كيف تحافظ على بيتها وكيان أسرتها ومع ذلك بدلا أن يحمد الله على نعمتة قام بأهانتها ليس مبررا أبدا أنه عصبى الطبع لكى يحلل لنفسه ضربها فاى دين يتبع هذا هل نسى قول الرسول " رفقا بالقوارير " فتلك الكلمة البارعة و التشبيه البديع الموحي بجمال و عمق نظرة النبي صلى الله عليه و سلم لهذا الجنس اللطيف " المرأة " فمعلوم أن القارورة تتخذ من الزجاج و من ثَم فهي سهلة الكسر, و بالتالي يكون القاسم المشترك بين القارورة و المرأة هو سهولة كسرها و ما كسر المرأة إلا الكلمة الجارحة , الموقف المؤلم , بل انظر لقاسم اخر و هو ان الزجاج معلوم ان ادنى شئ ممكن ان يشوه صفاءه و رقته فكذلك الزوجة بحكم رقة الأنوثة فيها و طبيعة تركبيتها الإنسانية التي تتسم بالضعف في كل شئ الضعف الذي يعتبر أقوى من قوة الرجل فإن ادنى شئ يمكن ان يشوه جمالها و يكسرانسانيتها .. بل انظر لقاسم اخر و هو ان القارورة لا تظهر إلا ما أمتلأت به فكذلك الزوجة مهما ملأها الزوج بشئ من المعاني فاضت به و اظهرته في شتى صور علاقتها مع زوجها. فانظر و قارن بين هذه الصورة التي رسمها الاعجاز النبوي بكلمتين , و بين تصورات الناس و طبيعة علاقاتهم بزوجاتهم .
ثم تنهدت لنتهى حديثها وهى تقول .. فرجاءا رفقا بالقوارير وكونوا أتباع النبى فسنه الرسول هى أفضل دليل . علت التصفيقات فى القاعة واخذ اصدقائها يهتفون باسمها ميمى .. ميمي وحياها استاذها على جرأتها فى الحديث وحسن أختيار موضوعها .. ووسط صوت التصفيق والهتاف العالى أستيقظت "مهشيد " من نومها مبتسمه على ما شاء القدر ان يذكرها به قبل ساعات قليله من مناقشه رسالتها فقد أنهت دراستها وبتفوق وها هى الآن تستعد لمواجة جديده مثلما ذكرها عقلها فى حلمها فبسبب خوفا من المناقشه اعادها عقلها الباطن لاول مواجه وقفت فيها وأستطاعت ان تنجح فيها .
أنهت أستعدادها وأتجهت إلى جامعتها وقدمت مناقشة أروع بكثير مما كانت تتوقع لم ينتهى خوفها بعد ولكنها أستطاعت أن تتغلب على الفزع الغير مألوف الذى كان يتعجب لأمره الجميع .
ووسط حشد كبير طلبت أن تلقى كلمة أخيرة لها فقالت ..... ليس محاوله لانكار الذات وليس تقليلا من قيمه نفسى ولكن الصدمات هى التى جعلتنى اقدر على مواجهة الحياة ربما ان كان القدر ابتسم لى فى السابق كنت ساظل كما انا تلك الفتاه المدللة التى ﻻ تشتهى نفسها شى الا وجاء اليها فى السمع والحال . ربما كنت ساظل سطحية التفكير اقصى ابداعى هو دفترى الابيض وبعض الاقلام الملونه .
ولكنى الان اصبحت كما ينبغى ان اكون . اصبحت انا من يهتف باسمها الحاضرون .
اصبحت قويه بما يكفى لاستطيع مواجه الكثير من الصدمات القادمة.


بقلم الكاتبه :- سـمر مـحمـود





0 التعليقات:

إرسال تعليق